دول الخليج والعملات الرقمية.. خطوات متقدمة محفوفة بالحذر
بدأت بنوك مركزية عالمية استخدم العملة الرقمية بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم؛ للمساعدة في تحسين أنظمة الدفع والمعاملات عبر الحدود.
شيئاً فشيئاً تفرض العملات الرقمية المشفرة نفسها على الساحة العالمية، لتدفع المزيد من الدول على التعامل معها، والاستثمار فيها، خصوصاً بعد التحول الكبير في هذه العملات بالولايات المتحدة الأمريكية.
مؤخراً شهدت “البتكوين” العملة الرقمية الأشهر، انتعاشاً قياسياً، حيث وصلت قيمتها إلى 90 ألف دولار، بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية، وتعهده بجعل الولايات المتحدة مركزاً للعملات المشفرة، وإنشاء مخزون استراتيجي منها.
وكان أول ظهور لعملة مشفرة في عام 2009، ومعها برز العديد من العملات المشفرة، إذ وصل عددها الآن إلى أكثر من 6000 عملة مشفرة، أبرزها بيتكوين، وإيثريوم، ولايت كوين.
دول الخليج، وعلى مدى السنوات الأخيرة، وضعت أقدامها في عالم العملات الرقمية المشفرة التي يبدو أنها ستتحكم باقتصادات العالم على المدى المتوسط وربما القريب، وشرعت العديد من الحكومات الخليجية بوضع قوانين ولوائح تنظم هذا السوق، والتحول للاستثمار فيه.
نمو غير مسبوق
تشير التقديرات الحالية إلى أن القيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة تجاوزت الـ3.1 تريليونات دولار، منها 1.72 تريليون قيمة البتكوين، بنسبة تبلع 56%، من حجم سوق العملات المشفرة حول العالم.
هذه الهيمنة لعملة “البتكوين” مدفوعة بالانتخابات الأمريكية وتصريحات الرئيس المنتخب ترامب الذي تعهد بانتهاج سياسة أكثر قبولاً لصناعة العملات المشفرة، ووضع قواعد أكثر قبولاً لها، وتعزيز التعدين المحلي لها.
ومن المتوقع أن تلامس عملة “بتكوين” حاجز 100 ألف دولار بنهاية العام، وفق كايل رودا، كبير محللي الأسواق المالية في “كابيتال دوت كوم”، خصوصاً بعد تعهد ترامب بتوفير بيئية تنظيمية مشجعة لنشاط العملات المشفرة.
وعلى الرغم من أن دولاً عديدة فرضت حظراً على العملات الرقمية، خاصةً أشهرها وأعلاها قيمة “بتكوين”، فإن ذلك لم يمنعها من مواصلة صعودها، ما يوحي بأنها ستتحول إلى وجهة مستقبلية للاستثمار الحكومي خلال سنوات قليلة قادمة، كما يرى خبراء ومحللون لبورصات العملات المشفرة.
ولا تزال العملات الرقمية المشفرة تواجه صعوبات في الولايات المتحدة الأمريكية، وفقاً لريتشارد تنغ، الرئيس التنفيذي في منصة “بينانس”، في مقابلة حصرية وخاصة لـ”سي إن إن” عربية، الثلاثاء (12 نوفمبر 2024).
ويبدو أن العام الجاري 2024، يمثل عاماً جيداً للعملات الرقمية المشفرة، ووفقاً للخبير ريتشارد تنغ، فقد تمت الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة لـ”البتكوين” في البورصة الأمريكية والعديد من دول العالم.
ولفت تنغ في تصريحه لـ”سي إن إن عريبة”، أنه خلال العام الحالي، فإن أفضل 100 مؤسسة عالمية حول العالم من “مورغان ستانلي” إلى “غولدمان ساكس” إلى “فيديليتي” إلى “تشارلز شواب”، والعديد من المؤسسات الأوروبية مثل “بي إن بي باريبا”، بدأت بالاستثمار في هذا المجال.
ولكن ماذا عن موقف دول مجلس التعاون الخليجي الست من هذه العملات المشفرة؟ وهل هناك توجه من حكوماتها نحو تداولها أو الاستثمار فيها، في ظل سعيها لتنويع اقتصادها بعيداً عن قطاع منتجات النفط؟.
الإمارات في الصدارة
- حلت الإمارات في المرتبة الأولى عالمياً بمعدل ملكية العملات المشفرة وبنسبة 30% من إجمالي عدد السكان.
- تضم الإمارات أعلى معدلات ملكية للعملات الرقمية على مستوى العالم، حيث تعد الحكومة الدولة صديقة للغاية لها، كما أوضح تقرير ثروة العملات الرقمية لعام 2023 الصادر عن شركة “هينلي آند بارتنرز”.
- هيئة تنظيم الخدمات المالية في الإمارات كانت أول من وضع القواعد واللوائح المتعلقة بشراء وبيع العملات الرقمية.
- في أكتوبر الماضي، منحت الإمارات الضوء (كموافقة مبدئية) لشركة “AED ستابل كوين”، عبر المصرف المركزي لإصدار عملتها الرقمية الخاصة “AE Coin” بالدرهم الإماراتي.
- أعلن مصرف الإمارات المركزي، في مارس من العام الماضي، أنه وقع اتفاقيتي شراكة مع شركتي “جي 42 كلاود” و”آر 3″ لتنفيذ استراتيجية للعملة الرقمية تحت اسم “الدرهم الرقمي”.
- هذه الشراكات تأتي بعد نجاح مبادرات العملات الرقمية للبنوك المركزية، منها مشروع “عابر” مع البنك المركزي السعودي في 2020.
- بدء المركزي الإماراتي التشغيل التجريبي لمشروع “الجسر” للعملات الرقمية للبنوك المركزية العابرة للحدود، بالتعاون مع سلطة النقد في هونغ كونغ، وبنك تايلاند، ومعهد العملات الرقمية التابع لبنك الشعب الصيني، وبنك التسويات الدولية في 2022.
- جرى من خلال “الجسر” إنجاز معاملات مالية ذات قيمة حقيقية، ما ساهم في جهوزية المصرف المركزي لتنفيذ استراتيجيته للعملة الرقمية الخاصة به.
- تضم المرحلة الأولى لاستراتيجية المصرف المركزي الإماراتي للعملة الرقمية التي يُتوقع اكتمالها في غضون الأشهر الـ 12 إلى الـ15 المقبلة، ثلاث ركائز رئيسية.
- تتعلق الركيزة الأولى بالإطلاق التجريبي لمنصة الجسر؛ بهدف تسهيل المعاملات المالية للعملات الرقمية العابرة للحدود، وتسوية مدفوعات التجارة الدولية.
- تشمل الركيزة الثانية التعاون الثنائي على إثبات مفهوم العملات الرقمية المركزية مع الهند، التي تعد أكبر الشركاء التجاريين للإمارات.
- سيتم العمل وفق الركيزة الثالثة على إثبات مفهوم العملة الرقمية للبنوك المركزية لإصدار عملة رقمية لاستخدام الأفراد والشركات والمؤسسات في الإمارات.
خطوة قطرية منظمة
- أطلق مصرف قطر المركزي، في 2 يونيو 2024، مشروع العملة الرقمية لتسوية المدفوعات ذات القيمة العالية، مع مجموعة من البنوك المحلية والدولية.
- إطلاق العملة الرقمية جاء عقب انتهاء المصرف من تطوير البنية التحتية للمشروع، لتكون خطوةً استباقية لمواكبة التطورات العالمية المتسارعة.
- بعد الانتهاء من الدراسة الشاملة للمشروع سيقوم بتجربة وتطوير تطبيقات مختارة للعملة الرقمية، لتسوية المدفوعات ذات القيمة العالية.
- سيركز المشروع على تطبيقات العملة الرقمية لمصرف قطر المركزي، لزيادة الوصول إلى أسواق رأس المال للبنوك العاملة في الدولة، وتعزيز التسوية المحلية، إضافة إلى تحسين كفاءة معاملات الأوراق المالية.
- يهدف المشروع إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتقنية السجلات اللامركزية والتقنيات الناشئة، وإنشاء أسس قوية لتعزيز السيولة من خلال توسيع المشاركة في تسهيلات الأسواق المالية، مع الإحاطة بالجوانب المرتبطة بأمن المعلومات.
- يشكل البدء في مشروع العملة الرقمية محطة مهمة وخطوة استراتيجية نحو بناء اقتصاد رقمي في الدولة، بحسب المصرف.
- في مارس 2019، أطلقت لأول مرة في العالم أول منصة إلكترونية إسلامية لتبادل العملة الرقمية المدعومة بالذهب، تُعرف بـ”آي-دينار” (I-DINAR) من قطر.
- تعتمد منصة “آي-دينار” (I-DINAR) في مفهومها على كونها رمزاً إلكترونياً قائماً على أساس تبادل العملة الرقمية
- تُدعم قيمتها الأولية البالغة ديناراً بغرام من الذهب، فهي ليست عملة رقمية فحسب، لكن لها مقابل عيني حقيقي من الذهب.
- لا يعد رمز (I-Dinar) الرقمي شكلاً من أشكال محفظة الذهب الإلكترونية فقط، ولكنه يواكب التقدم الملحوظ والمستمر في تكنولوجيا سلسلة التبادل الإلكتروني.
- يمكن استخدام “آي-دينار” (I-DINAR) باعتباره قاسماً مشتركاً لتنفيذ وتسوية العمليات المالية وأعمال الصرف والتجارة.
السعودية تجرب
بدورها قطعت المملكة العربية السعودية أشواطاً في تقنين هذا السوق، وفي يونيو الماضي انضمت إلى تجربة رئيسية عابرة للحدود للعملات الرقمية للبنوك المركزية يقودها بنك التسويات الدولية.
وبموجب هذه الخطوة، التي أعلنها بنك التسويات الدولية سيكون المركزي السعودي مشاركاً كاملاً في مشروع “إم.بريدج”، وهو تعاون جرى إطلاقه عام 2021 بين البنوك المركزية في كل من الصين وهونغ كونغ وتايلاند والإمارات.
هذا التحول، يأتي بعد حالة توجس أبدتها السعودية تجاه التعامل بالعملات الرقمية، ففي نوفمبر 2023، حذرت رئاسة أمن الدولة السعودية من التعامل بتلك العملات، كونها قد تكون إحدى طرق تمويل الإرهاب، وهو ما يعني حاجة المملكة لتشريع وسن قوانين تضبط وتنظم سوق العملات المشفرة.
ولا تزال المملكة حذرة بشأن العملات الرقمية التي يسيطر شك كبير على مستقبلها، حتى إنها حظرت التعامل مع البنوك العاملة في هذا المجال.
ورغم ذلك جاءت السعودية ثانية خليجياً بمعدل ملكية العملات المشفرة وبنسبة 11%، بحسب تقرير مالكي العملات المشفرة الصادر عن موقع “visual capitalist”.
ويقول محلل أسواق العملات الرقمية، أورهان آزاد: إن “المستقبل سيكون للعملات الرقمية وجميع أو غالبية دول العالم ستلتحق بهذا المجال، ولا أستبعد أن تحل هذه العملات مستقبلاً مكان العملات الواقعية الحالية”.
وأضاف آزاد في حديث سابق لـ”الخليج أونلاين”: إن “العملات الرقمية المشفرة في بدايتها لم تجد إقبالاً إلا من أعداد قليلة من الناس، لكن الآن الملايين يستثمرون بها وحجم تداولها اقترب من تريليوني دولار”.
ورأى أن دول الخليج العربي ستكون لمعظمها استثمارات مهمة في العملات الرقمية خلال السنوات المقبلة، باعتبارها تبحث عن التنويع الاقتصادي، وهذه العملات ستكون مصدراً مهماً لإيراداتها المالية.
توجه بحريني
ويبدو أن مملكة البحرين تحاول كذلك توسيع جاذبيتها للأصول الافتراضية والعملات الرقمية، سواء الروسية أو غيرها.
ففي 15 مارس 2022، أعلنت منصة “بينانس” لتداول العملات الرقمية حصولها على رخصة خدمة تداول الأصول المشفرة من مصرف البحرين المركزي.
وقال تشانغ بينغ زاو، المؤسس والرئيس التنفيذي لـ”بينانس”، في بيان له حينها: إن “الرخصة الممنوحة للشركة في البحرين تمثل علامة فارقة في مسيرتنا لنكون مرخصين ومنظمين بشكل كامل على مستوى العالم”.