ترامب وهاريس.. سيناريوهات مختلفة للتعامل مع أزمة سوريا
الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق البلاد بهدف تحقيق أهداف أمنية متعددة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني والروسي.
تلعب سوريا دوراً مركزياً ومعقداً في السياسات الدولية والإقليمية، حيث تُعتبر محوراً للتنافس الجيوسياسي والصراع المستمر منذ عام 2011.
وعلى الرغم من المحاولات لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، تبقى الأسئلة المتعلقة بمستقبل الوجود الأمريكي في سوريا والتعامل مع النظام السوري بقيادة بشار الأسد محط اهتمام كبير.
فالولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري في شمال شرق البلاد بهدف تحقيق أهداف أمنية متعددة، بما في ذلك مكافحة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني والروسي.
ومع حلول الانتخابات الأمريكية، يبرز التساؤل حول كيفية تعامل كامالا هاريس ودونالد ترامب مع الملف السوري، في ظل توجهات متباينة بين النهج الدبلوماسي والمواقف التي قد يتخذها كل منهما.
تحولات مستمرة
وخلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي جو بايدن الأربع والتي كانت كاميلا هاريس جزء منها، شهدت المنطقة تحولات مستمرة تتضمن التطبيع مع النظام السوري من قبل بعض الدول العربية، الأمر الذي يعكس تغير الأولويات، ويطرح تساؤلات حول كيفية تأثير هذه التحركات على المصالح الأمريكية.
وتعامل الرئيس جو بايدن مع الملف السوري ضمن نهج الدبلوماسية حيث أبقى على وجود عسكري محدود في شمال شرق سوريا لدعم قوات سوريا الديمقراطية في محاربة تنظيم “داعش” ومنع عودته والحفاظ على الاستقرار في المناطق المحررة من سلطته.
كما ركزت إدارة بايدن على تقديم المساعدات الإنسانية لدعم الشعب السوري في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وحافظت على العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر” لحقوق الإنسان، والذي يهدف إلى الضغط على النظام لوقف الانتهاكات ضد المدنيين.
ولم تكن هناك مبادرات دبلوماسية واسعة لإعادة الانخراط مع نظام الأسد وبدلاً من ذلك، ركزت واشنطن على العمل مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لدعم جهود السلام التي تتماشى مع قرارات الأمم المتحدة مثل قرار 2254 الذي يدعو إلى انتقال سياسي في سوريا.
ما موقف ترامب أيضاً؟
واتسمت سياسة ترامب حينما كان في السلطة (2017 – 2021) تجاه سوريا بالتناقضات، حيث حاول تحقيق بعض الأهداف الأمنية في محاربة الإرهاب، بينما تعرض لانتقادات لغياب استراتيجية متكاملة للتعامل مع الأزمة السورية.
ففي بداية حكمه أبدى ترامب دعماً لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، ولكن في ديسمبر 2018، أعلن عن سحب القوات الأمريكية من البلاد بشكل مفاجئ، معتبراً أن التنظيم قد هُزم، مما أثار قلق حلفاء الويات المتحدة في المنطقة والأطراف المتأثرة بالصراع، ليتراجع لاحقاً عن قراره مما أظهر عدم استقرار السياسة الأمريكية في المنطقة.
وفي أبريل 2017، شنت إدارة ترامب ضربة صاروخية على قاعدة الشعيرات الجوية السورية ردًا على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في منطقة خان شيخون شمال سوريا.
وكانت هذه الخطوة تعبيراً عن رفض إدارة ترامب للاستخدام المتكرر للأسلحة الكيميائية، وأكدت على أن الولايات المتحدة لن تتجاهل مثل هذه الانتهاكات.
كما اتخذ ترامب موقفاً حازماً ضد نظام الأسد، حيث اعتبره مستبداً وراعياً للإرهاب، ومع ذلك لم يكن هناك استراتيجية شاملة أو خطة طويلة الأمد لتغيير النظام، مما ترك الأمور مفتوحة لاحتمالات جديدة على الأرض.
واستمرت إدارة ترامب في فرض عقوبات على النظام السوري، بما في ذلك تطبيق قانون “قيصر” الذي يهدف إلى منع تمويل النظام ومعاقبته على انتهاكات حقوق الإنسان.
أين تحركت المعارضة؟
وفي مايو الماضي، التقى فريق ترامب الانتخابي مع ما يعرف بـ”اللوبي السوري” في لقاء خلال مايو الماضي، بهدف العمل على بناء سياسات تنتهي بتغيير حكومة بشار الأسد.
وبحسب ما ذكرت صحيفة “واشنطن بوست قالت ميساء قباني عضو منظمة “غلوبال جستس” أن “الحكمة تقتضي اختيار الرئيس الذي سيقلل الأضرار بالقضية السورية، أي أن يكون صارماً مع إيران” في إشارة لترامب.
ويستند موقف بعض المعارضة السورية من ترامب إلى الاعتقاد بأنه سيكون أكثر حزماً تجاه إيران وحلفائها في المنطقة، خاصة أنه هو من أمر بقتل قاسم سليماني في مطار بغداد مطلع عام 2020.
كما تعتقد “المعارضة” أن بايدن وإدارته الديمقراطية لم يقوموا بما يجب لمنع التطبيع العربي مع نظام الأسد، كما لعبوا دوراً في عرقلة قانون مكافحة التطبيع مع النظام.
وسبق أن كشف كبير الجمهوريين في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جيم ريتش عن رفض إدارة الرئيس بايدن المضي قدمًا بمشروع قانون “مناهضة التطبيع مع الأسد”، فيما يعول اللوبي السوري على إدارة جمهورية قادمة في إشارة إلى ترامب لتمريره.
كما قام ثلاثة أعضاء جمهوريين من الكونغرس بزيارة لمناطق المعارضة في شمال غرب سوريا في أغسطس 2023، حيث التقوا بقادة المعارضة وبعض القادة الإنسانيين في محاولة للضغط على إدارة بايدن لمواصلة جهودها لحل سياسي في سوريا.
هذه الزيارة، التي قادها النائب فرينش هيل من أركنساس، كانت تهدف إلى التأكيد على دعم الكونغرس المستمر للمعارضة السورية وتعزيز الضغط على نظام الأسد.
ما المنتظر؟
في تحليل للسياسات الأمريكية المقبلة يرى المحلل السياسي السوري عابد الحلبي، أن هناك توجهات مختلفة بين كامالا هاريس ودونالد ترامب تجاه سوريا، وسوف تنعكس بالتأكيد على السياسات الأمريكية اتجاهها مضيفاً لـ”الخليج أونلاين”:
-
بالنسبة لموقف هاريس تجاه النظام السوري، يتوقع استمرار نهج الضغط الدبلوماسي ودعم الحلول التي تشمل التحول السياسي بعيداً عن الأسد، مع التأكيد على العقوبات كأداة للضغط.
-
من غير الواضح كيف سيكون تعامل ترامب مع الأسد في حال إعادة انتخابه، إلا أن ولايته السابقة شهدت مواقف متباينة، مثل قراره بقصف مواقع عسكرية للنظام في 2017 كرد فعل على هجوم خان شيخون بالسلاح الكيميائي، إلى جانب تصريحات تشير إلى تقليل التركيز على تغيير النظام.
-
الوجود العسكري الأمريكي في سوريا يعكس ضرورة حماية المصالح الأمريكية الاستراتيجية، مثل محاربة الإرهاب ومواجهة النفوذ الإيراني والروسي وهو مهم بالنسبة للإدارة الديموقراطية.
-
لكن ترامب الذي تبنى سياسات تهدف إلى تقليل التدخلات العسكرية الخارجية خلال رئاسته الأولى، قد يستمر في هذا التوجه حال فوزه، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انسحاب جزئي أو كامل للقوات من سوريا.
-
قد يتبنى ترامب موقفاً أكثر براغماتية تجاه الأسد، متجنباً التركيز على تغيير النظام ومفضلاً الحفاظ على الوضع الراهن طالما أنه لا يتعارض مع المصالح الأمريكية.
-
استمرار التواجد الأمريكي في سوريا يرسل إشارات إلى الحلفاء مثل “إسرائيل” والدول الخليجية بأن الولايات المتحدة ملتزمة بأمن المنطقة، ويعتبر ذلك أمراً مهماً لضمان التوازن أمام القوى الإقليمية الأخرى لاسيما في ظل الوضع الملتهب الراهن في المنطقة منذ 7 أكتوبر 2023.
-
الموقف التركي من الوجود الأمريكي في سوريا يتسم بالتعقيد، نظراً لاعتماد واشنطن على التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها أنقرة امتداداص لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه منظمة إرهابية.
-
هذا التباين يخلق توترات مستمرة بين أنقرة وواشنطن، لكن قد يعمل ترامب كما فعل في ولايته الأولى على احتواءه من خلال تقديم ضمانات أمنية لتركيا.
-
مستقبل التطبيع مع الأسد سيعتمد على مجموعة من العوامل، بما في ذلك التوجهات السياسية للدول الغربية والتوازنات الإقليمية والداخلية في سوريا.
-
الملفات الإنسانية وحقوق الإنسان، تبقى عائقاً رئيسياً أمام قبول الأسد دولياً، ولذلك قد يتشدد ترامب بدعم من الكونغرس في زيادة العزلة وتقويض جهود التطبيع معه.