بعد استشهاده الأسطوري.. كيف تحول السنوار إلى أيقونة للنضال؟
تحول السنوار إلى أيقونة للنضال في أوساط الشعوب والأحرار حول العالم.
أثار مشهد استشهاده تعاطفاً كبيراً خصوصاً من قبل ناشطون ومؤثرون غربيون.
تحولت كوفيته وعصاه و”الكنبة” التي جلس عليها والمنزل الذي استشهد فيه إلى رموز.
مثلت طريقة استشهاده ضربة للاحتلال الذي روّج طويلاً أن السنوار مختبئاً في أنفاق غزة.
“لو كان للأبطال أن يختاروا شكل نهايتهم، لما اختاروها أفضل من نهاية يحيى السنوار”، ذلك ما أكده المتابعون لاستشهاد رئيس حركة “حماس” قبل أيام، والذي قالوا إنه ألحق بعدوه الخسارة حياً وميتاً، ليصبح بنظر العالم أيقونة للنضال والتضحية والبطولة.
قصة استشهاد السنوار التي نشرها جيش الاحتلال نفسه، جذبت قلوب مناصري القضية الفلسطينية حول العالم، حيث ألقى كل ما يملك للدفاع عن وطنه، لتصبح أدواته بنظر الأحرار حول العالم، رموزاً للبطولة، فعصاه التي ألقاها على الطائرة المسيرة ضربت الآلاف من الأكاذيب التي حاكها إعلام الاحتلال ومن دار في فلكه.
السنوار أقض مضاجع “إسرائيل” بطوفانين خلال عام، “طوفان الأقصى” العارم، وطوفان الرحيل الصادم للاحتلال، إذ لم يدر بخلد صانع القرار الإسرائيلي، أن قائداً بحجمه كان منذ البداية رأس حربة القتال بغزة.
نهاية أسطورية
على كنبة، وسط الركام والغبار، ظهر السنوار ممتشقاً عصاه في مشهد لن ينساه العدو والصديق، مشهد هزّ أركان جيش الاحتلال فقائد الطوفان كان في مقدمة الصفوف، وليس مختبئاً في الأنفاق كما حاولوا تصويره منذ البداية.
قاتل السنوار قتال الأبطال، وواجه العشرات وربما المئات من عناصر جيش الاحتلال المدججين بالسلاح ووسائل الرصد الحديثة، واجههم بجرأة وشجاعة منقطعة النظير، حتى ارتقى بعد أن أصيب مقبلاً غير مدبر، هادماً سردية عمل الاحتلال على بنائها طويلاً حول قادة المقاومة وأبطالها.
تضاربت روايات الاحتلال، وبدت ركيكة ومتناقضة، لكن الحقيقة هي تلك التي لاذت بالفرار من بين أيدي الرقابة، بعدسات الجند الذين واجهوه ووصلوا إليه بعد استشهاده.
فالصور الأولى التي نشرها ربما جنود مستجدون لجثة السنوار، هي التي أغضبت قادة الكيان، كونها حرمتهم من خلق نهاية درامية تساهم في تشويه نهاية رجل هزم “إسرائيل” في الحياة والممات.
كانت الرواية الأولى قائمة على أن الرجل قتل في اشتباك مع جنود الاحتلال، وبطريقة غير مخطط لها من قبل الجيش الإسرائيلي، وهذه هي الرواية الأصدق، وهو ما تؤكده مشاهد وصور اللحظات الأولى.
وفي محاولة لاحتواء الأثر الهائل لتلك النهاية البطولية، شرع جيش الاحتلال في تقديم الروايات المتضاربة لنهاية الرجل، فتارة نشروا مشاهد لما قالوا إنها معركة مع السنوار ورفاقه، وتارة أخرى قالوا إنهم قضوا عليه عن سبق إصرار وتخطيط، لكن كل ذلك لم ينجح، ولم يزل عن الرجل شرف النهاية العظيمة.
أيقونة للنضال
بعد ساعات فقط من نشر صور السنوار شهيداً، حتى انتشرت في أرجاء العالم، وأصبحت حديث الصديق والعدو، وتحولت إلى مادة للتحليل على شاشات الفضائيات، ليصبح الرجل أيقونة في رحيله، كما كان أيقونة في حياته، فقد رحل كأول قائد عربي يقود مقاتليه على الأرض مقابل الاحتلال الإسرائيلي.
تلك النهاية، أثارت إعجاب ودهشة حول العالم، حتى إن كثيراً من الصحفيين والمحللين والعسكريين الإسرائيليين أكدوا حقيقة أن نهايته كانت نصراً له، وهزيمة لـ”إسرائيل”.
فهذا الكاتب الإسرائيلي آلون مزراحي، قال إن “السنوار مات موتاً مشرفاً، موت محارب مع رجاله، واحد من شعبه، دفاعاً عن أرضه ضد محتل يسعى للإبادة”.
وأضاف في تدوينة على منصة “إكس”: “لقد رحل وهو يقاوم، لم يكن من الممكن أن يكتب آخر حلقة من حياة السنوار أفضل مما كتبه هو، ليس في نفق، أو مخبأ سري، أو قصر بعيد، وليس أثناء الانخراط في عمل غير جدير، لقد مات وهو يقاوم”.
وأضاف: “إذا كان هناك كلمة واحدة يمكن التفكير فيها لوصف هذه النهاية، فهي همنغواي. كان هذا أشبه بمشهد من رواية همنغواي عن فلسطين”، مضيفاً: “ليس لدي أي شك فيمن سيدعم همنغواي في هذا الصراع”.
وفي غضون ساعات غصّت وسائل التواصل ومواقع الأخبار والمنتديات بصور ورسومات تحكي بطولة السنوار، مصورةً إياه بطلاً قاتل حتى آخر رمق، بكل ما لديه من أسلحة، وآخرها العصا.
رميتُ بعصا السنوار
وكما أن الرجل أصبح أيقونة، فقد أصبحت بعض الأشياء حوله، وآخر مقتنياته، ذات قيمة واهتمام كبيرين، ابتداءً بالمنزل، ومروراً بالكرسي الذي قضى عليه، وكوفيته، وعصاه، وسلاحه الشخصي وأذكاره التي كانت لا تفارقه.
تلك المقتنيات لو عُرضت في مزاد علني، لاندفع عشرات الآلاف لشرائها، لفرط ما تعنيه من قيمة للنضال، بحسب ما كتب ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نهاية السنوار أصبحت مضرب المثل أيضاً، حتى صارت عصاه مثالاً يجري على الألسن، فقال الكثير “رميتُ بعصى السنوار”، بينما ألهمت نظراته الأخيرة، الكثير من الرسامين والمبدعين لصياغة أجمل اللوحات عن تلك النهاية العظيمة.
عصا السنوار، و”كنبته” وكوفيته، صارت رموزاً للنضال، ليس في الجغرافيا العربية، بل في كل مكان بالعالم، وخرج الكثير من الناشطين حول العالم متحدثين عن تلك النهاية النموذجية لبطل قاتل من أجل شعبه.
حتى ذلك المنزل، خشي الاحتلال أن يتحول إلى مزار، وأيقونة، وسرعان ما قام بتفجيره، بينما حوّله الناشطون إلى مزاراً ومتحفاً افتراضياً وتناقلوا صوره قبل الحرب، في الوقت الذي اعتبر مالك ذلك المنزل نفسه ذي حظٍ عظيم.