بظل توتر البحر الأحمر.. ما أهمية استضافة السعودية للمنتدى اللوجستي؟
تم التوقيع على 65 اتفاقية في “المنتدى اللوجيستي العالمي” بقيمة 4.3 مليار دولار
يعد البحر الأحمر شرياناً حيوياً للتجارة الدولية؛ حيث يمرّ به ما يقارب 12% من حجم التجارة العالمية، ومع زيادة التوترات في المنطقة نتيجة لتداخل المصالح الإقليمية والدولية، تزداد أهمية البحر الأحمر، سواء من الناحية الأمنية أو الاقتصادية.
وتشكل مشروعات تطوير البنية التحتية واللوجستية على ضفاف البحر الأحمر جزءاً أساسياً من رؤية السعودية 2030، حيث تتطلع المملكة إلى تحويل المنطقة إلى مركز تجاري عالمي يسهم في تنويع مصادر دخلها بعيداً عن الاعتماد على النفط.
اضطرابات وتحديات
في إطار سعي المملكة العربية السعودية لتعزيز الترابط العالمي واستثمار موقعها الجغرافي المميز الذي يربط بين ثلاث قارات، شهد “المنتدى اللوجيستي العالمي” المنعقد بالرياض، في 14 أكتوبر الجاري، وبرعاية الملك سلمان بن عبد العزيز، توقيع أكثر من 65 اتفاقية ومذكرة تفاهم محلية ودولية، بقيمة تتجاوز 16 مليار ريال (ما يعادل 4.3 مليارات دولار).
ويهدف “المنتدى اللوجيستي العالمي 2024″، الذي كان تحت شعار “إعادة رسم خريطة الخدمات اللوجستية العالمية”، إلى دعم التعاون الدولي في قطاع الخدمات اللوجستية وإعادة تشكيل خريطة الخدمات اللوجستية العالمية، كما عمل كمنصة دولية متميزة لإطلاق شراكات واتفاقيات جديدة تجمع قادة القطاع اللوجيستي من مختلف الدول، مما يسهم في تعزيز تواصل وتكامل القطاع على مستوى العالم.
وشارك في المنتدى اللوجستي العالمي 2024، عدد من الوزراء وكِبار المسؤولين، وقادة المنظمات الدولية والاتحادات الصناعية وخبراء وأكاديميون ومحللون، و130 متحدثاً و80 عارضاً، من 30 دولة.
وتناقش الجلسات مجموعة من القضايا الأساسية في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، ومنها تعزيز الوصول إلى الأسواق العالمية، وتوسيع الاستثمارات في البنية التحتية اللوجستية، ورفع كفاءة الخدمات اللوجستية لضمان مرونتها أمام التحديات في منطقة البحر الأحمر، كما تتناول الحوارات موضوع “الجيل الجديد من موانئ الطاقة” ودور تمكين الكفاءات البشرية في تطوير صناعات المستقبل.
وصرّح نائب وزير النقل والخدمات اللوجستية، الدكتور رميح الرميح، بأن المنتدى يعد بمثابة “منصة للتعاون وتوحيد جهود الشركاء ضمن منظومة الخدمات اللوجستية؛ بهدف تعزيز الكفاءة والمرونة والاستدامة والربحية في العالم اليوم”.
وقال الرميح إن اضطرابات البحر الأحمر رفعت تكلفة الشحن البحري بأكثر من 20%، مشيراً إلى أن الاتفاقيات المعلنة تجسد الدور الحيوي الذي يلعبه المنتدى في مستقبل القطاع، مظهرةً الأثر الإيجابي للتعاون الدولي، ودور المملكة القيادي في الخدمات اللوجستية العالمية، من خلال استثمار موقعها الفريد كنقطة التقاء بين ثلاث قارات.
ريادة سعودية
ويقول الكاتب والمحلل السياسي قحطان الشرقي، إن المملكة تحاول أن تلعب دوراً ريادياً في التجارة العالمية بحكم موقعها الاستراتيجي، وتستشرف من خلال هذا المنتدى مستقبل الخدمات اللوجستية العالمية من خلال أبرز التحديثات والحلول المبتكرة في هذا المجال.
ويضيف لـ”الخليج أونلاين” أن المنتدى يسلط الضوء على تطورات البنية التحتية والتكنولوجيا والاستدامة تماشياً مع رؤية 2030 التي تطمح أن تصبح المملكة مركزاً لوجستياً عالمياً، حيث أنها تلعب دورا هاماً في التجارة العالمية.
ويرى الشرقي أن السعودية -من خلال المنتدى- تريد القول بأن التجارة لا يمكن تهديدها، ولا يمكن حصر الممرات التجارية في مكان واحد، ويمكن فتح أفق جديدة للتحول نحو طرق أخرى لا تخضع لتهديد الميليشيات أو الحروب.
ويبيّن أن للملكة فرصاً كبيرة وعظيمة لأن تكون مركز ربط استراتيجي عالمي، بحكم موقعها الذي يتوسط القارات، وتشرف عليها من الشرق ومن الغرب، وأيضاً ما تتمتع به من الطرق البرية.
ويشير الشرقي إلى أن هناك توجهاً نحو ربط شرق المملكة بغربها، وبالتالي تصبح جميع السفن القادمة من دول الخليج العربي ومن الصين قادرة على الوصول إلى ميناء الدمام ومن ثم إلى جدة عبر هذا الطريق البري الذي يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا عبر المملكة.
ويؤكد أن موقع السعودية الاستراتيجي في النقل والبحري لا يقل أهمية عن المجالات الأخرى سواء الجوية أو البرية، وبالتالي تصبح المملكة نقطة ارتكاز عالم للعبور، وعقدة ربط الطرق الدولية برياً وبحرياً وجوياً.
ويعتقد أن المملكة لديها رؤية للسنوات المقبلة حول هذا المسار اللوجستي، وترى أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبيرة، يمكن أن تقودها هي، بحكم اقتصادها وعلاقاتها، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الذي يميزها عن بقية الدول الأخرى.
ويلفت الشرقي إلى أن الظروف الدولية الآن والاضطرابات في المنطقة قد تؤثر بشكل كبير على مستقبل المنطقة، لكن بكل تأكيد المنطقة ذاهبة باتجاه آفاق جديدة اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
نظام لوجستي إقليمي
تسعى السعودية إلى بناء نظام لوجستي إقليمي متكامل، يهدف إلى تحويل المنطقة إلى مركز إمداد عالمي.
وتخطط المملكة لمد خطوط سكك حديدية تصل العاصمة الرياض بالبحر الأحمر وتخدم دول الخليج، مما يعزز من قدرتها على بناء نظام نقل متعدد المحاور يدعم سلاسل الإمداد العالمية، وفق ما أعلنه وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح خلال كلمته في “المنتدى اللوجستي العالمي 2024”.
وأوضح الفالح أن قطاع النقل يعد محركاً أساسياً للاستثمار العالمي، مؤكداً على أهمية إقليمية سلاسل التوريد في الشرق الأوسط، حيث تتطور العولمة الاقتصادية نحو نظام إقليمي متكامل للنقل والخدمات اللوجستية.
وبيّن أن الموقع الاستراتيجي للشرق الأوسط يؤهله لدور رئيسي في هذا المجال، لافتاً إلى أن السعودية شرعت فعلياً في بناء مركزها اللوجستي الإقليمي.
وفي خطوة لتعزيز هذا النظام، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان العام الماضي “المخطط العام للمراكز اللوجستية”، والذي يتضمن إنشاء 59 مركزاً على مساحة تتجاوز 100 مليون متر مربع، على أن يُستكمل المشروع بحلول عام 2030.
ومن جانبه، صرح وزير النقل والخدمات اللوجستية السعودي، صالح الجاسر، بأن الدعم المالي الحكومي كان له دور محوري في تحقيق “تقدم ملموس” في قطاع الخدمات اللوجستية، مشيراً إلى أن الاستراتيجية الوطنية تهدف إلى استثمار ما يزيد عن تريليون ريال (حوالي 266.3 مليار دولار) في هذا القطاع بحلول عام 2030.
وأوضح الجاسر أن “القطاع اللوجستي العالمي يقف اليوم عند نقطة حاسمة، وتسلط التحديات العالمية الضوء على الحاجة لضمان سلامة وأمن سلاسل الإمداد، واستمرارية عمل الخدمات اللوجستية التي تعد العمود الفقري للتجارة العالمية”.