“اليونيفيل” بلبنان تحت نيران “إسرائيل” ومجلس الأمن في موقف المتفرج !
برر الجيش الإسرائيلي الاعتداء على “اليونيفيل” بالقول إنه طلب من الجنود الأمميين البقاء “في مناطق محمية” قبل أن يطلق النار “قرب” قاعدتهم
لا تزال أصداء الاعتداء الإسرائيلي على قوة الأمم المتحدة المؤقتة (يونيفيل) التي تضم ما يقارب 10 آلاف جندي في الجنوب اللبناني تتردد في الأروقة الدولية، لاسيما مع انتقاد الدول المشاركة في هذه القوات الأممية للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
وعلى الرغم من إعلان العديد من الدول العربية والغربية إدانتها للاعتداء على “اليونيفيل”، إلا أن الفزاعة الأمريكية كفيلة بإبقاء هذه المواقف حبراً على ورق بلا أي ترجمة ردعية، وهو أمر اعتاد عليه العالم في سياق حماية واشنطن لحليفتها “إسرائيل” في كل المجازر والتجاوزات التي ترتكبها بشكلٍ دائم.
وأمام ذلك تطرح التساؤلات الاعتيادية، أين المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة التي من المفترض أن تكون كفيلة بحماية قواتها؟، وأين مجلس الأمن الدولي من جرأة “إسرائيل” بضرب قراراته في الحائط؟.
اعتداءات إسرائيلية
بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان منذ سبتمبر الماضي، أعلنت اليونيفيل في بيان (10 أكتوبر) أن “دبابة ميركافا تابعة للجيش الإسرائيلي أطلقت النار باتجاه برج مراقبة في مقرّ اليونيفيل في الناقورة، فأصابته بشكل مباشر وتسببت في جرح جنديين من الجنسية الإندونيسية”.
كما أضافت أن جنوداً إسرائيليين أطلقوا النار عمداً أيضاً على موقع آخر للأمم المتحدة في رأس الناقورة، “فأصابوا مدخل الدشمة حيث كان جنود حفظ السلام يحتمون، وألحقوا أضراراً بالآليات ونظام الاتصالات”.
في حين برر الجيش الإسرائيلي الواقعتين بالقول إنه طلب من الجنود الأمميين البقاء “في مناطق محمية” قبل أن يطلق النار “قرب” قاعدتهم.
فيما نددت الدول الأربع المشاركة في تلك القوات الأممية، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وأيرلندا، بتلك الاعتداءات. كما دعت إلى عقد اجتماع عبر تقنية الفيديو الأسبوع المقبل في موعد لم يتمّ تحديده بعد.
وهذه أخطر واقعة تبلغ عنها اليونيفيل في ظل التصعيد الراهن بين إسرائيل وحزب الله، والذي يشهد غارات جوية إسرائيلية مكثفة على مواقع عدة في لبنان، وعمليات برية “محدودة” في البلدات الحدودية.
نتنياهو وميقاتي
ومع تصاعد التنديد الدولي إزاء قصف “اليونيفيل” دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (13 أكتوبر) إلى سحب قوات حفظ السلام الأممية في لبنان فوراً من الجنوب.
ووجه نتنياهو دعوته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال خطاب متلفز، قائلاً “لقد حان الوقت لكم لإخراج اليونيفيل من معاقل حزب الله ومن مناطق القتال”، زاعماً أن ذلك بدعوى عدم تعريضها للخطر,
وتابع أن الجيش الإسرائيلي طلب انسحاب قوات اليونيفيل مراراً لكن طلبه رفض “لتوفير درع بشري” لحماية مقاتلي حزب الله، وفق زعمه، مضيفاً أن رفض إجلائهم “يجعلهم رهائن لدى حزب الله ويعرض حياتهم وحياة الجيش الإسرائيلي للخطر”، بحسب زعمه.
بدوره، رفض ميقاتي دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، قائلا ًإن لبنان متمسك بالقرار 1701 وبدور اليونيفيل ويطالب المجتمع الدولي بموقف حازم من العدوان الإسرائيلي المستمر على بلاده، مشيراً إلى أن مطالبة نتنياهو بإبعاد اليونيفيل تمثل “فصلاً جديداً من نهج إسرائيل بعدم الامتثال للشرعية الدولية”.
عجز مجلس الأمن
وحول موقف مجلس الأمن إزاء ما تتعرض له قواته، يؤكد الخبير والمحلل الأمني والسياسي، العميد مخلد حازم، أن المجلس ” بقي عاجزاً أمام الكثير من القرارات التي تم اتخاذها، خصوصاً فيما يتعلق بالقرارات التي تتعلق بأمريكا أو “إسرائيل” أو أي قرارات تؤثر على دول الاستكبار العالمي”.
ويرى أن “إسرائيل” اليوم “تتذرع بالكثير من الأمور في الاعتداء على قوات “اليونيفيل” التي تتبع مجلس الأمن ودول كثيرة، فهي لا تعترف بهكذا مسميات وتذهب باتجاه إنها في إطار حرب، وتقع فيها كثير من الخسائر وأنه بدون قصد، وهذه هي متدنيات الاحتلال”.
ويشير في حديثه لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن مجلس الأمن “ليس لديه الإمكانيات للقيام بوقف الجانب العسكري الإسرائيلي فيما تقوم به اليوم، مثل قرار مجلس الأمن في غزة ولم ينفذ، وتصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن غزة ولم يطبق”.
ويضيف: “إسرائيل ترى في مجلس الأمن أنها من تتحكم بمقدراته، وبالتالي فإن أمريكا لن تقف بالضد أمام أي قرار تتخذه إسرائيل، خصوصاً وأنها تتحكم بقراراته”.
وأكمل: “في نهاية المطاف ما خططت له “إسرائيل” وأمريكا ودول الغرب من مشاريع جديدة ومخططات، هو الذي سينفذ في ظل ضعف دول أخرى تقف عاجزة أمام الوقف ضده”.
رفض واستهداف
كانت قوات اليونيفيل أكدت مطلع أكتوبر الجاري، أن قواتها لا تزال في مواقعها الحدودية رغم تلقيها طلباً من “إسرائيل” بإعادة نقل بعضها.
ودعت إلى وقف التصعيد الإسرائيلي الحاد الذي بدأ اعتباراً من 23 سبتمبر الماضي على لبنان، ما أدى إلى مقتل المئات ونزوح أكثر من 1,2 مليون آخرين، حسب الأرقام الرسمية.
وهذا الاستهداف جاء بعد سلسلة رسائل وأحداث مماثلة قامت بها “إسرائيل” ضد القوة الاممية منذ بداية حرب غزة، ففي الرابع عشر من مارس 2024 نشرت “رويترز” مقتطفات من تحقيق اليونيفيل في حادثة استشهاد الصحافي عصام عبدالله.
وذكر التحقيق أن دبابة ميركافا تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي فتحت النار بشكل مباشر مما أدى الى استشهاد العبدالله وجرح عدد من الصحافيين. وخلص إلى إدانة “إسرائيل” بشكل مباشر واعتبار الحادثة انتهاكاً لقرار مجلس الأمن 1701 (2006) والقانون الدولي.
وفي اليوم التالي، أي بعد نشر التقرير، قامت “إسرائيل” بقصف المكان كتحدٍ لبيان اليونيفيل، قبل أن قوم في الـ30 من ذات الشهر باستهداف مراقبين ومترجم تابعين للأمم المتحدة بقذيفة أسفرت عن جرحهم بينما كانوا في دورية سيراً على الأقدام في جنوب لبنان.
ويكفي استحضار المجزرة المروّعة التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين اللبنانيين الذين لجأوا إلى مقر “اليونيفيل” في قانا خلال عدوان نيسان في العام ١٩٩٦، لنتأكد بأن الكيان الصهيوني هو بالفعل خارج على دائرة الحق الإنساني حتى لو ارتدى هذا الحق الثوب الأزرق وانضوى تحت راية منظومة دولية لا تملك سوى الاستسلام أمام الإرهاب الأمريكي.
تأسيس القوة
وأُسست اليونيفيل، في مارس 1978، للتأكيد على انسحاب إسرائيل من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة.
وعُدلت مهمة اليونيفيل مرتين نتيجة التطورات في عامي 1982 و2000، وبعد حرب يوليو 2006، وقرر مجلس الأمن الدولي تكليف اليونيفيل بمهام أخرى على غرار مراقبة وقف الاعتداءات الإسرائيلية، ومرافقة ودعم القوات اللبنانية في عملية الانتشار في جنوب لبنان، وتمديد المساعدة لتأكيد وصول المعونات الإنسانية للمواطنين، والعودة الطوعية الآمنة للمهجرين.