تحالف نفطي خليجي جديد.. الكويت والبحرين بمواجهة التقلبات الاقتصادية
التقلبات في أسعار البترول العالمية تدفع الكويت والبحرين للتوجه نحو إنشاء شركة تجارية للنفط
لطالما تميزت العلاقات الكويتية البحرينية بتعاون وثيق على مختلف الصعد، خاصة في الجوانب الاقتصادية، وتاريخياً سعت كلتا الدولتين إلى تطوير روابط اقتصادية تعود بالنفع المتبادل.
ومع استمرار نمو الطلب العالمي على النفط وتزايد التحديات الاقتصادية، تأتي أهمية تعزيز التعاون في القطاع النفطي كخطوة استباقية لتأمين الموارد ودعم استقرار الاقتصادين.
لذا فإن إنشاء شركة تجارية نفطية مشتركة بين الكويت والبحرين يمكن أن يسهم في تعميق التكامل الاقتصادي بين الدولتين وتحقيق رؤية طويلة الأمد.
أهمية اقتصادية
يعد قطاع النفط الركيزة الأساسية لاقتصاد دولتَي الكويت والبحرين، حيث يمثل المصدر الرئيسي للعائدات والإيرادات.
وتملك الكويت احتياطيات نفطية كبيرة، وتعد واحدة من أكبر الدول المنتجة للنفط عالمياً، فيما تعتمد البحرين بشكل رئيسي على حقل نفطي واحد “أبو سعفة”، الذي تشترك فيه مع المملكة العربية السعودية، مما يجعل الكويت شريكاً استراتيجياً مهماً للبحرين في هذا القطاع.
وقد أدت التقلبات الأخيرة في أسعار النفط العالمية إلى دفع الدولتين للبحث عن استراتيجيات أكثر تكاملاً واستدامة لمواجهة تحديات السوق.
ومن جهتها ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن الكويت والبحرين تخططان لإطلاق شركة نفطية تجارية، بهدف استثمار التوسعات الأخيرة في مصافي النفط لدى البلدين، ومنافسة كبار منتجي النفط في المنطقة في بيع وشراء الوقود.
وأفادت الوكالة في تقريرها بأن مؤسسة البترول الكويتية وشركة “بابكو للطاقة” البحرينية تستهدفان بدء عمليات التداول في دبي مطلع العام المقبل، مع نية توسيع مبيعات الديزل ووقود الطائرات، وفقاً لمسؤولين في الشركتين.
على الرغم من التحديات الحالية في انخفاض هوامش أرباح الديزل وتراجع الطلب، فإن الشركتين تواصلان خططهما مستلهمتين خُطا جيرانهما الخليجيين، مثل السعودية والإمارات وعُمان، التي زادت من نشاطها في تجارة الوقود.
ويُتوقع أن يسهم التوسع في مصافي النفط بالشرق الأوسط في تعزيز تنافسية دول المنطقة على صعيد الأسعار والتكاليف مقارنة بالمنافسين الدوليين.
وفي هذا السياق صرح الرئيس التنفيذي لشركة “غونفور غروب” العالمية لتجارة السلع، توربيورن تورنكفيست، في مؤتمر عُقد مؤخراً، بأنه “من الواضح أن المنتجين الكبار في المنطقة الآن ينشئون عملياتهم التجارية الخاصة بهم، وهذا منطقي للغاية، فيما تبدو الأسواق أحياناً مزدحمة بشدة بسبب كثرة المشاركين فيها”.
دوافع ومنافسة
ويرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي أحمد صدام، أن أهمية الشراكة بين الكويت والبحرين في مجال النفط يتمثل في توسيع الأذرع التجارية للبلدين، لاسيما وأن كلا البلدين حققا نمواً موجباً في مجال صناعة تكرير النفط.
ويشير في حديثه مع “الخليج أونلاين” إلى أن طاقة الكويت التكريرية ارتفعت من 1.2 مليون برميل يومياً عام 2022 إلى 1.4 مليون برميل يومياً لعام 2023، كما أن البحرين ارتفع إنتاجها من 268 الف برميل إلى 380 الف برمي، للفترة نفسها.
ويعتقد صدام أن دوافع إنشاء الشركة النفطية الجديدة للبلدين تأتي في إطار التنافس مع الشركات النفطية في دول مجلس التعاون الأخرى، لاسيما أرامكو التي وسعت من شراكاتها التجارية.
ويبيّن أن هذه الشراكة مهمة للبلدين في مجال التكرير، اذ تحتل الكويت المرتبة الثالثة من حيث طاقة التكرير في الشرق الأوسط، فيما تأتي البحرين بالمركز الثامن.
ويضيف صدام، بأن من دوافع الشركة أيضاً، دخول الشركة النفطية الجديدة إلى سوق التداول والاستفادة من التقلبات في أسعار النفط والمشتقات النفطية، فضلاً عن توسيع السوق النفطي لكلا البلدين وخلق القيمة المضافة من خلال زيادة طاقة التكرير ورفع مستوى المشاركة في الأسواق الدولية.
ويستبعد صدام أن هذه الشركة في السوق النفطية ضمن المدى المتوسط، بسبب وجود منتجين نفطيين رئيسيين في المنطقة، فضلاً عن التوجه العالمي نحو الطاقة المتجددة والاقتصاد في استهلاك الوقود الأحفوري.
انعكاسات اقتصادية
بدوره يقول الخبير النفطي د.عبدالسميع بهبهاني، إن إنشاء هذه الشركة التجارية، يأتي ضمن نشاط التحالفات العالمية التي ازدادت خلال السنتين الماضيتين، كالاستحواذ والشراكة والدمج، وتجاوزت 65% في قطاع النفط والغاز.
ويوضح في حديثه مع “الخليج أونلاين” أن ذلك مؤشر لعاملين أساسيين، وهي إدارة مخاطر الاستثمارات العملاقة، والاستفادة من قدرات التحالف المتعاكسة.
ويشير بهبهاني إلى أن الكويت والبحرين بينهما ثغرات تسويقية في قطاع النفط بين الكم والنوع والتسويق، وهذه الشركة سيكون لها دور تسويق منتجات مصفاة الدقم وبعض منتجات مصفاة الزور الكويتية، ومصفاة الستر البحريني بعد التوسعة.
ويرى الخبير النفطي أنه بذلك سيتحقق تكامل للكم المنتج، حيث أن عقودها اطول وأجزل، وضمن إدارة مخاطر تنافس الدول المجاورة وأكثر جدوى اقتصادياً للهوامش الربحية.
ويوضح أن هذه الشركة تعتبر اتجاه تطبيقي جديد بين نشاطات دول مجلس التعاون الخليجي مع بعضها، لمواجهة تنافس الشركات الكبرى العالمية، كذلك لإدارة العثرات الاقتصادية التي يعاني منها البلدان، وهذا ضمن ازدياد التحالفات بين دول مجلس التعاون الأخرى بأكثر سرعة.
ويؤكد بهبهاني أن هذه الشراكة ستزيد سعة هوامشها الربحية في حال تعرضها للتقلص نتيجة تقلبات أسعار النفط الخام، وهذا العامل مهم في هندسة معدلات الإنتاج الخام، ومن ثم إطالة عمر المخزون النفطي، وعدم تفاعله العنيف مع التقلبات أسعار النفط العالمية.
خطط للتوسع
تسعى شركات التكرير في الكويت والبحرين إلى توسيع صادراتها إلى أوروبا بشكل كبير، مع خطط تهدف إلى تعزيز نشاط التداول وزيادة الشحنات المصدرة.
وبحسب المسؤول عن التسويق الدولي في مؤسسة البترول الكويتية، عماد الكندري، فإن المؤسسة تستهدف إحياء استراتيجيتها المتعلقة بتجارة الوقود والتداول، وتتركز خططها على زيادة مبيعات الديزل ووقود الطائرات، مع توسيع نطاق صادراتها إلى الأسواق الأوروبية.
وأوضح الكندري أن الذراع التجارية للمؤسسة بدأت العمل في دبي، مشيراً إلى تكليفها بمهمة زيادة مبيعات منتجات مصفاة الدقم، وهي مشروع مشترك مع شركة النفط العمانية الحكومية، إلى جانب النفط المُنتَج من دول أخرى.
وتلقّى توسّع المؤسسة دفعة قوية بفضل تحديث وتطوير مصفاة الزور، بالإضافة إلى تأهيل موظفي التسويق الدولي بالتعاون مع شركة “أوكيو تريدنغ” (OQ Trading)، التابعة لشركة النفط العمانية.
وعلى الجانب الآخر، تهدف شركة “بابكو” البحرينية إلى زيادة صادرات الديزل إلى أوروبا.
ووفقاً لما أعلنه نائب الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في الشركة، الشيخ إبراهيم آل خليفة، فإن إطلاق ذراع تداول في بورصة دبي يأتي في إطار خطة توسعية تهدف إلى تعزيز مبيعات منتجات الشركة النفطية المكررة.
وعملت “بابكو” على تحديث مصفاة سترة، التي يعود تاريخها إلى 90 عاماً، بالتعاون مع شركة “توتال إنرجي” الفرنسية.
ونتج عن هذه التحديثات مضاعفة قدرة إنتاج الديزل، مع تولي الشركة الفرنسية دوراً مهماً في تسويق المنتجات وزيادة التجارة العالمية في الوقود المكرر.